بقلم المهندس/ طارق بدراوى
يقع مسجد المحمودية بميدان محمد على باشا على يسار الصاعد منه إلى القلعة وبالتحديد أمام باب العزب بقلعة صلاح الدين الأيوبي شرقي مسجد السلطان حسن ومسجد الرفاعي وقد أنشأه محمود باشا والى مصر من قبل الدولة العثمانية وكان قد قدم إلي القاهرة واليا علي مصر في أوائل شهر شوال عام 973 هجرية الموافق شهر أبريل عام 1566م وعند وصوله إلى مصر خرج وجهاؤها لإستقباله وبصحبتهم الهدايا الثمينة وفي أوائل عام 975 هجرية الموافق منتصف عام 1567م أتم بناء مسجده وكان ذلك في عصر السلطان سليمان القانوني إبن السلطان سليم الأول وقد ألحق به قبة ضريحية وسبيل وكان قد عرف عن هذا الوالي العثماني أنه كان ظالما جائرا في أحكامه صادر كثيرا من أموال الناس وكان ممن ظلمهم حاكم الصعيد الأمير محمد بن عمر الذى قدم إليه هدايا ثمينة وتحفا وخمسين ألف دينار قام بإستلامها منه ثم غدر به وقتله وإستولى على ثروته مما أثار سخط وغضب عامة الشعب وأوغر صدورهم تجاهه وتمنوا الخلاص منه وقد حدث أن خرج في شهر جمادى الأولى عام 975 هجرية الموافق شهر نوفمبر عام 1567م من مقر الحكم بالقلعة في موكبه الضخم وعند مروره عند بركة الناصرية أطلق عليه شخص مجهول عيارا ناريا أصابه إصابة قاتلة لم يجد معها العلاج وتوفي ودفن بمسجده الذى كان قد تم تشييده في نفس السنة وقد إشتهر محمود باشا بعد ذلك بإسم المقتول وكان يطلق علي المسجد نفسه أحيانا نفس الإسم .
وللمسجد مدخلان متقابلان أحدهما في منتصف الواجهة الشمالية والثاني في منتصف الواجهة الجنوبية ويتم الوصول إلى كل منهما ببضع درجات وهو خال من جهاته الأربع ومبنى مرتفعا عن منسوب الطريق وفتح بواجهاته صفان من الشبابيك تعلوها مقرنصات وتتوجها شرفات مورقة ومنارته أسطوانية تحليها خطوط رأسية بارزة ولها دورة واحدة مكونة من مقرنصات متعددة الحطات وتغطيها مسلة مخروطية على نمط مآذن الطراز العثماني وهى تقوم على قاعدة أسطوانية مثلها تقع بالناصية الشرقية الجنوبية للمسجد كنظيرتها بمسجد السلطان حسن وتخطيطه عبارة عن حيز مربع أو قاعة مربعة طول ضلعها 19.8 متر وتتوسطها أربعة أعمدة ضخمة من الجرانيت ترتكز عليها أربعة عقود تحمل سقف الجزء الأوسط من المسجد المرتفع عن باقى سقفه والمكتوب عليه بخط جميل بسم الله الرحمن الرحيم لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون قال صلى الله عليه وسلم من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا فى الجنة أوسع منه أمر بإنشاء هذا المسجد المعمور من فيض ماله المبرور المقام العالى واسطة عقد اللآلى أمير الأمراء الكرام كبير الكبراء الفخام حضرة الأمير الباشا محمود راجيا من كرم الله القبول والرضا من فضله العفو مرتضى تقبل الله وفي منتصف ساحة الجامع طرقة أرضيتها منخفضة قليلا عن أرضية المسجد وتصل بين الباب الجنوبي والباب الشمالي فإنقسم المسجد بذلك إلى إيوانين ويتوسط الجدار الشرقي محراب حجري فقير وبسيط للغاية وفوقه نافذة من الجص مكتوب عليها لا إله إلا الله محمد رسول الله وبجواره منبر من الخشب له درابزين من الخشب الخرط وسقف هذين الإيوانين مصنوع من الخشب وهو مقسم إلى أجزاء مستطيلة مذهبة ومنقوشة بزخارف جميلة ملونة ويحيط بها إزار مكتوب به آيات قرآنية وإسم المنشئ وتاريخ الإنشاء سنة 975 هجرية بحروف بيضاء تتخللها فروع ذهبية منها آية الكرسى وقوله تعالى إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخشَ إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين وبجوار المحراب منبر خشبى وإلى يساره باب يؤدى إلى مربع صغير بارز عن سمت جدار المحراب تغطيه قبة مرتفعة ووقوع القبة خلف المحراب ظاهرة إقتبست من مثيلتها بمسجد السلطان حسن أيضا هذا ويحلى جدران المسجد من الداخل شبابيك من الجص المفرغ المملوء بالزجاج الملون وقد ذكر على مبارك في الخطط الجديدة قرب أواخر القرن التاسع عشر الميلادى أن جامع المحمودية جامع عظيم به قبر منشئه محمود باشا وتعلوه قبه مرتفعة وشعائره معطلة مع أن له أوقافا وأحكارا وقد أدركته لجنة حفظ الآثار العربية عام 1885م في عهد الخديوى توفيق وعندما فحصته في العام المذكور لم تجد فيه شيئا من الأبواب والشبابيك والأرضيات الخاصة بالمسجد كما لم تجد أيضا السبيل الذى كان ملحقا به والذى كان كائنا بالجهة الجنوبية الغربية منه ولم يكن متبقيا منه سوى جزء من السقف وجدران صهريج المياه الخاص به وبدأت اللجنة في أعمال الإصلاح والترميم به منذ عام 1904م حيث تولت اللجنة تدعيم مباني المسجد وأعادت بناء السلم المؤدى إلى المدخل وقامت بتركيب أبواب جديدة وعمل شبابيك جصية وترميم الزخارف والنقوش حتى أقيمت به شعائر الصلاة مرة أخرى عام 1906م وقد توالت أعمال الإصلاح بهذا المسجد وكان آخرها ما أمر به الملك فاروق الأول من تقوية عقوده وإصلاح سقفه وقد تم ذلك في سنة 1940م .